يتجهز المؤمنون حول العالم لاستقبال الشهر التاسع من الأشهر الهجرية بقلوب مفعمة بالإيمان والأمل. يأتي شهر رمضان، الذي يستمد معناه من الحر الشديد كما يدل عليه اسمه، كفترة مباركة لتعزيز الصلة بالخالق عبر كثرة تلاوة القرآن الكريم، مستحضرين قوله تعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” (البقرة: 185).

تاريخياً، يبرز شهر رمضان كمسرح لأحداث هامة ساهمت في تشكيل مسار الحضارة الإسلامية. ففيه وقعت غزوة بدر، الانتصار المبين الذي منح المسلمين قوة وثقة كبيرتين، وكذلك فتح مكة الذي أظهر عظمة الإسلام وسماحته. وتردد صدى هذه الأحداث في آية قرآنية تشيد بالثبات والنصر: “إِن يَنصُركُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ” (آل عمران: 160).

شهر رمضان لا يمثل فقط ذكرى الانتصارات أو مجرد فترة للعبادة، بل هو دعوة للتفكر والتدبر في خلق الله، مع الحث على الصبر والتسامح. يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 153).

مع اقتراب شهر رمضان، تتجدد العزائم وتعلو الروحانيات بين المسلمين، الذين يتوقون لاغتنام هذه الفترة المباركة في زيادة الأعمال الصالحة والصدقات، ملبين دعوة الله تعالى في قوله: “وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ” (البقرة: 110). إن شهر رمضان يعتبر موسماً للخير والبركات، يسعى خلاله المسلمون لتجديد العهد مع ربهم وتقوية الروابط الاجتماعية، مستشعرين عظمة هذا الشهر الفضيل وما يحمله من معاني الرحمة والغفران.

بالإضافة إلى الصوم، تعتبر ليلة القدر منأهم أيام شهر رمضان، وهي ليلة خير من ألف شهر، تتنزل فيها الملائكة والروح بأمر الله تعالى لتقضي كل أمر سلامًا حتى مطلع الفجر. يحث النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين على الاجتهاد في العبادة خلال هذه الليلة، مستندًا إلى قوله تعالى: “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ” (القدر: 1).

رمضان كذلك يشهد تزايداً في الأعمال الخيرية والصدقات، فالمسلمون يستغلون هذه الفترة المباركة لمضاعفة أعمالهم الصالحة، معززين بذلك شعور التكافل والتآزر بين أفراد المجتمع. هذا السعي للعطاء يجد أساسه في النص القرآني: “مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ” (البقرة: 261).

أما في العشر الأواخر من رمضان، فيزداد الإقبال على العبادة والاعتكاف في المساجد، سعياً للفوز بليلة القدر. يحتفي المسلمون بهذا الشهر ليس فقط كمناسبة للصوم والعبادة، وإنما كفرصة لتجديد الروح والعمل على تحسين الذات وتعزيز العلاقات الاجتماعية، متأملين في قوله تعالى: “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (النور: 31).